المصدر: الأهرام اليومى
عنوانُ هذه المقالة التى نعود بها للكتابة فى جريدة الأهرام بعد سنواتٍ من الانقطاع، والقطيعة، مأخوذٌ من بداية عبارة شهيرة لشيخ الصوفية الأكبر محيى الدين بن عربى (المتوفى سنة 638 هجرية) يقول فيها: "الأمرُ دوريٌّ، يعود إلى ما منه بدأ، ويتصل بما به ابتدأ".
وهى عبارةٌ عميقةُ المعنى، يمكن فهمها على أساس حيوات أفراد البشر ونهاياتهم (من التراب وإلى التراب نعود) أو على أساس تعاقب الدول والحكومات عبر التاريخ فى مصر (جدلية الكاهن والقائد) أو على أساس كونى، مثلما هو الحال فى فكرة الفيلسوف اليونانى القديم "هيراقليطس" الذى اعتقد بأن للزمان الكونى دورةٌ مدّتها 3600 سنة، بعدها تلتهم النارُ المقدّسة كل شيء فى الكون، لتبدأ الأشياء من جديد. وقد خطرت عبارةُ "ابن عربي" هذه على ذهني، عندما خاطبنى مديرو الجريدة الحاليون داعين إياى للعودة إلى الكتابة فيها، فتفكرتُ فى الأمر يومين وأرجعتُ البصر كرَّتينِ فوجدته لم ينقلب إليَّ خاسئاً وهو حسيرٌ، فوافقت، ورأيتُ من المناسب أن تكون مقالتى الأسبوعية الأولى بهذا العنوان الذى يُحيل إلى المعنى العميق الوارد فى عبارة الشيخ الأكبر، وهى عبارة تنطبق عندى على الحالين (الخاص والعام) وفقاً لما سيأتى بيانه عبر السطور التالية، بدأتُ كتابة المقالات الصحفية فى جريدة الأهرام حين كنتُ بأواخر العشرينات من عمري، وكان ذلك آنذاك شرفاً كبيراً لأى كاتب، نظراً لوقار هذه الجريدة ومكانتها التى ترسَّخت خلال ما يقرب من مائة عام (بدأ صدور جريدة الأهرام فى الإسكندرية سنة 1876) وما كان ممكناً لى أن أكتب بـ"الأهرام" لولا أن اثنين من نواب رئيس التحرير قد تحمَّسا آنذاك لي، ووجدا فيما أقوله وأكتبه ما يستحق النشر على صفحات الجريدة التى كانت أيامها تنشر فى صحفة الرأى مقالاً واحداً، أو مقالين على الأكثر، لمن يكتبون إلى الجريدة وهم من غير الصحفيين الموظفين فيها. والمقصود بنائبيْ رئيس التحرير: الصديق والأستاذ سامى خشبة (رحمه الله) والأستاذ الفاضل رجب البنا (أطال اللهُ بقاءه) اللذينِ أفسحا لى مجال النشر بالجريدة، فكانت مقالتى الأولى المنشورة على هذه الصفحة أيامها، عنوانها: تراثنا بين المحققِّين والبيروقراطيين. وكنتُ فى هذه المقالة التى نُشرت يالأهرام سنة 1986، أنعى أحوال المشتغلين بالتراث العربى والمخطوطات، من الدارسين ومحقِّقى النصوص المخطوطة، والويلات التى يعانون منها بسبب العنت والتخلُّف الإدارى والاستخفاف المقيت الذى يلاقونه من "البيروقراطيين" الموظفين بدار الكتب المصرية، وهى القلعة التراثية القومية التى تضم ما يقرب من سبعين ألف مخطوطةٍ نادرة، محفوظة فى أكثر من خمسين ألف مجلد قديم.
وبطبيعة الحال، وبحكم المرحلة العمرية، كنتُ أيامها مفعماً بالأمل فى الآتى ومعتقداً أن الكتابة الصادقة لها فعلٌ سحريٌّ فى الواقع (وللأسف، مازلتُ أؤمن بذلك) ولهذا انهمكتُ فى طرح قضية التراث العربى والمخطوطات، وأمضيتُ السنوات الطوال التالية أثيرُ الاهتمام بهذه القضية المحورية المهملة، وأبذل ما فى وسعى لإنقاذ المخطوطات التى كانت تُنهب من مصر (علانيةً) وتتناثر فى الخزانات الخطية بلا فهارس تدل على محتواها، ولا قدرة للباحثين والمحقِّقين على الوصول إليها. وقد أثمرت إثارةُ هذه القضية، وما يتصل بها، وظهرت آثارٌ طيبةٌ لهذا الاهتمام المتواصل. فكان من نتائج ذلك على أرض الواقع: الارتفاع بمستوى دار الكتب المصرية وخدماتها، بزوغ شمس التراث والمخطوطات من مكتبة الإسكندرية، إنجاز أول قاعدة بيانات إلكترونية للمخطوطات فى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء (كانت الأولى من نوعها على مستوى العالم، وأتممتُ العمل فيها فى منتصف التسعينيات).
لكن الأمر دوريٌّ، يعود إلى ما منه بدأ! إذ أرانى أعودُ إلى الكتابة فى الأهرام بعد أقل من شهر على تفجير واجهات دار الكتب المصرية وتخريب بعض معروضاتها النادرة، وبعد ثلاثة أعوامٍ من التخريب المتعمَّد لمكتبة الإسكندرية التى ودَّعتها كيلا أرى انهيارها، بعدما أنهكتُ قواى فى إقامة بنيانها وإعلاء قيمة محتواها وتأهيلها للمهمة الأساسية لها: صناعة المعرفة. وبعد سنوات من استقالتي، أيضاً، من العمل كمستشار لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، لأنهم هناك أضاعوا "قاعدة البيانات الإلكترونية" التى أنفقتُ من عمرى ثلاث سنوات لإنجازها! الأمرُ دوريٌّ، يعود بى إلى النقطة الأولى فأبدأ من جديد فى الدعوة للاهتمام بالتراث والمخطوطات. لأن الذى لا يعرف ماضيه، لن يعرف طريقاً لمستقبله.
وقد بقيت عدة سنوات أكتب المقالات لجريدة الأهرام، فتنشرها صفحة الرأى (التى كانت تتوقف فى شهر رمضان الكريم (كأن الثقافة من مُبطلات الصوم) حتى امتد خط الزمان، وانحني، فتوقفتُ عن الكتابة بعد رحيل "سامى خشبة" عن عالمنا، وارتحال "رجب البنا" عن الجريدة إلى غيرها. بل وصل بى الأمرُ أن قاطعتُ الجريدة بسبب سقوطها فى العين الحمئة، فى أثناء الأيام السوداء التى خيَّمت أخيرا على سماء مصر. وقد كتبتُ بعد الأهرام فى جريدة الوفد أعواماً، فكانت نتيجة مقالاتى كتابين بعنوان (كلمات) صدر الأول منهما بعنوانٍ فرعيٍّ هو "التقاط الألماس من كلام الناس" وشغلتنى الشواغل عن إصدار الكتاب الآخر. ثم كتبتُ أعواماً تالية مقالات (السباعيات) التى نُشرت فى جريدة المصرى اليوم، وأعدتُ كتابة مقالاتى فيها لتصير فصول الكتب الثلاثة التى صدرت منتصف العام الماضي: متاهات الوهم، دوَّامات التدين، فقه الثورة.
وقبل عامين، توقفتُ عن كتابة المقالات الأسبوعية يوم قلتُ فى آخر مقالة، ما نصه: "ما فائدة الكتابة فى هذا الوطن، وما جدوى الكلام". إذ كنتُ غاضباً من كثرة ما نبَّهتُ، بل تصايحتُ صارخاً بالكلمات، لثلاثة ظواهر خطيرة كان من البديهى أن نسرع إلى تداركها. ولكن لا أحد يستجيب. وكانت هذه (الأثافي) الثلاث، هى سكبُ الزيت الفاسد بانتظام أمام شواطئ الإسكندرية، وتشاهُق المقاولين الفاسدين بالعمائر المقابر التى تعلو دون ترخيص وتُودى بحياة سكانها، وترك "المدير العام" لمكتبة الإسكندرية يديرها ويُحاكم فى الوقت نفسه على جنايات ارتكبها وهو مدير المكتبة. وصحيحٌ أن الأمر لم ينصلح فى ثالثة الأثافى (الأثافى هى الأحجار السوداء التى يوضع عليها القِدْرُ على النار) فلا يزال المدير يدير ويُحاكم فى الوقت ذاته، حتى يومنا هذا، ولكن الأمرينِ الخطيرينِ الآخرين تمَّ تداركهما بعد مجىء محافظ الإسكندرية الحالي، وبعد حديثى معه بشأنهما، فتوقف الإفساد العلنى بضخ الزيت فى البحر، وصفت شواطئ الإسكندرية فصارت كمثيلتها الأوروبية (بل أجمل) وتوقفت حالة السُّعار الإجرامى واهتبال فرصة الفوضى العامة لبناء الشواهق السكنية من دون ترخيص. وهكذا انتفى سببان مما كان يدعونى للتوقف عن كتابة المقالات الأسبوعية، فغالبنى الحنينُ إلى الكتابة وغلبنى لما لا حظتُ إدارة "الأهرام" الجديدة على استعادة مكانة الجريدة، وقد دعونى للمشاركة فعدتُ إلى كتابة هذه المقالات التى ستُنشر هنا كل أربعاء. ومع أن الأمر دوريٌّ، يعود إلى ما منه بدأ! إلا أننى لن أعود للكلام مجدَّداً عن مأساة مكتبة الإسكندرية، ولن أُشير إلى خطورة ما يسعى إليه بعض المنحرفين وبعض الغافلين وبعض المتخابثين الساعين إلى إعادة مصر إلى أحوالها السابقة: استحكام الفساد السياسي، إحكام القبضة الضابطة على مجتمعنا لمصلحة فئة مخصوصة، خلخلة أنحاء البلاد لإيجاد مساحاتٍ تسمح بعيش المعتوهين الذين يظنون أن المستقبل هو الماضي. نعم، الأمرُ دوري، لكننا سندور مع الزمان حيث دار، ونكتب، لأن الذى يكتب يكسر الدائرة، ولا يموت!
وإلى لقاءٍ يتجدَّد، يوم الأربعاء المقبل.
وهى عبارةٌ عميقةُ المعنى، يمكن فهمها على أساس حيوات أفراد البشر ونهاياتهم (من التراب وإلى التراب نعود) أو على أساس تعاقب الدول والحكومات عبر التاريخ فى مصر (جدلية الكاهن والقائد) أو على أساس كونى، مثلما هو الحال فى فكرة الفيلسوف اليونانى القديم "هيراقليطس" الذى اعتقد بأن للزمان الكونى دورةٌ مدّتها 3600 سنة، بعدها تلتهم النارُ المقدّسة كل شيء فى الكون، لتبدأ الأشياء من جديد. وقد خطرت عبارةُ "ابن عربي" هذه على ذهني، عندما خاطبنى مديرو الجريدة الحاليون داعين إياى للعودة إلى الكتابة فيها، فتفكرتُ فى الأمر يومين وأرجعتُ البصر كرَّتينِ فوجدته لم ينقلب إليَّ خاسئاً وهو حسيرٌ، فوافقت، ورأيتُ من المناسب أن تكون مقالتى الأسبوعية الأولى بهذا العنوان الذى يُحيل إلى المعنى العميق الوارد فى عبارة الشيخ الأكبر، وهى عبارة تنطبق عندى على الحالين (الخاص والعام) وفقاً لما سيأتى بيانه عبر السطور التالية، بدأتُ كتابة المقالات الصحفية فى جريدة الأهرام حين كنتُ بأواخر العشرينات من عمري، وكان ذلك آنذاك شرفاً كبيراً لأى كاتب، نظراً لوقار هذه الجريدة ومكانتها التى ترسَّخت خلال ما يقرب من مائة عام (بدأ صدور جريدة الأهرام فى الإسكندرية سنة 1876) وما كان ممكناً لى أن أكتب بـ"الأهرام" لولا أن اثنين من نواب رئيس التحرير قد تحمَّسا آنذاك لي، ووجدا فيما أقوله وأكتبه ما يستحق النشر على صفحات الجريدة التى كانت أيامها تنشر فى صحفة الرأى مقالاً واحداً، أو مقالين على الأكثر، لمن يكتبون إلى الجريدة وهم من غير الصحفيين الموظفين فيها. والمقصود بنائبيْ رئيس التحرير: الصديق والأستاذ سامى خشبة (رحمه الله) والأستاذ الفاضل رجب البنا (أطال اللهُ بقاءه) اللذينِ أفسحا لى مجال النشر بالجريدة، فكانت مقالتى الأولى المنشورة على هذه الصفحة أيامها، عنوانها: تراثنا بين المحققِّين والبيروقراطيين. وكنتُ فى هذه المقالة التى نُشرت يالأهرام سنة 1986، أنعى أحوال المشتغلين بالتراث العربى والمخطوطات، من الدارسين ومحقِّقى النصوص المخطوطة، والويلات التى يعانون منها بسبب العنت والتخلُّف الإدارى والاستخفاف المقيت الذى يلاقونه من "البيروقراطيين" الموظفين بدار الكتب المصرية، وهى القلعة التراثية القومية التى تضم ما يقرب من سبعين ألف مخطوطةٍ نادرة، محفوظة فى أكثر من خمسين ألف مجلد قديم.
وبطبيعة الحال، وبحكم المرحلة العمرية، كنتُ أيامها مفعماً بالأمل فى الآتى ومعتقداً أن الكتابة الصادقة لها فعلٌ سحريٌّ فى الواقع (وللأسف، مازلتُ أؤمن بذلك) ولهذا انهمكتُ فى طرح قضية التراث العربى والمخطوطات، وأمضيتُ السنوات الطوال التالية أثيرُ الاهتمام بهذه القضية المحورية المهملة، وأبذل ما فى وسعى لإنقاذ المخطوطات التى كانت تُنهب من مصر (علانيةً) وتتناثر فى الخزانات الخطية بلا فهارس تدل على محتواها، ولا قدرة للباحثين والمحقِّقين على الوصول إليها. وقد أثمرت إثارةُ هذه القضية، وما يتصل بها، وظهرت آثارٌ طيبةٌ لهذا الاهتمام المتواصل. فكان من نتائج ذلك على أرض الواقع: الارتفاع بمستوى دار الكتب المصرية وخدماتها، بزوغ شمس التراث والمخطوطات من مكتبة الإسكندرية، إنجاز أول قاعدة بيانات إلكترونية للمخطوطات فى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار برئاسة مجلس الوزراء (كانت الأولى من نوعها على مستوى العالم، وأتممتُ العمل فيها فى منتصف التسعينيات).
لكن الأمر دوريٌّ، يعود إلى ما منه بدأ! إذ أرانى أعودُ إلى الكتابة فى الأهرام بعد أقل من شهر على تفجير واجهات دار الكتب المصرية وتخريب بعض معروضاتها النادرة، وبعد ثلاثة أعوامٍ من التخريب المتعمَّد لمكتبة الإسكندرية التى ودَّعتها كيلا أرى انهيارها، بعدما أنهكتُ قواى فى إقامة بنيانها وإعلاء قيمة محتواها وتأهيلها للمهمة الأساسية لها: صناعة المعرفة. وبعد سنوات من استقالتي، أيضاً، من العمل كمستشار لمركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، لأنهم هناك أضاعوا "قاعدة البيانات الإلكترونية" التى أنفقتُ من عمرى ثلاث سنوات لإنجازها! الأمرُ دوريٌّ، يعود بى إلى النقطة الأولى فأبدأ من جديد فى الدعوة للاهتمام بالتراث والمخطوطات. لأن الذى لا يعرف ماضيه، لن يعرف طريقاً لمستقبله.
وقد بقيت عدة سنوات أكتب المقالات لجريدة الأهرام، فتنشرها صفحة الرأى (التى كانت تتوقف فى شهر رمضان الكريم (كأن الثقافة من مُبطلات الصوم) حتى امتد خط الزمان، وانحني، فتوقفتُ عن الكتابة بعد رحيل "سامى خشبة" عن عالمنا، وارتحال "رجب البنا" عن الجريدة إلى غيرها. بل وصل بى الأمرُ أن قاطعتُ الجريدة بسبب سقوطها فى العين الحمئة، فى أثناء الأيام السوداء التى خيَّمت أخيرا على سماء مصر. وقد كتبتُ بعد الأهرام فى جريدة الوفد أعواماً، فكانت نتيجة مقالاتى كتابين بعنوان (كلمات) صدر الأول منهما بعنوانٍ فرعيٍّ هو "التقاط الألماس من كلام الناس" وشغلتنى الشواغل عن إصدار الكتاب الآخر. ثم كتبتُ أعواماً تالية مقالات (السباعيات) التى نُشرت فى جريدة المصرى اليوم، وأعدتُ كتابة مقالاتى فيها لتصير فصول الكتب الثلاثة التى صدرت منتصف العام الماضي: متاهات الوهم، دوَّامات التدين، فقه الثورة.
وقبل عامين، توقفتُ عن كتابة المقالات الأسبوعية يوم قلتُ فى آخر مقالة، ما نصه: "ما فائدة الكتابة فى هذا الوطن، وما جدوى الكلام". إذ كنتُ غاضباً من كثرة ما نبَّهتُ، بل تصايحتُ صارخاً بالكلمات، لثلاثة ظواهر خطيرة كان من البديهى أن نسرع إلى تداركها. ولكن لا أحد يستجيب. وكانت هذه (الأثافي) الثلاث، هى سكبُ الزيت الفاسد بانتظام أمام شواطئ الإسكندرية، وتشاهُق المقاولين الفاسدين بالعمائر المقابر التى تعلو دون ترخيص وتُودى بحياة سكانها، وترك "المدير العام" لمكتبة الإسكندرية يديرها ويُحاكم فى الوقت نفسه على جنايات ارتكبها وهو مدير المكتبة. وصحيحٌ أن الأمر لم ينصلح فى ثالثة الأثافى (الأثافى هى الأحجار السوداء التى يوضع عليها القِدْرُ على النار) فلا يزال المدير يدير ويُحاكم فى الوقت ذاته، حتى يومنا هذا، ولكن الأمرينِ الخطيرينِ الآخرين تمَّ تداركهما بعد مجىء محافظ الإسكندرية الحالي، وبعد حديثى معه بشأنهما، فتوقف الإفساد العلنى بضخ الزيت فى البحر، وصفت شواطئ الإسكندرية فصارت كمثيلتها الأوروبية (بل أجمل) وتوقفت حالة السُّعار الإجرامى واهتبال فرصة الفوضى العامة لبناء الشواهق السكنية من دون ترخيص. وهكذا انتفى سببان مما كان يدعونى للتوقف عن كتابة المقالات الأسبوعية، فغالبنى الحنينُ إلى الكتابة وغلبنى لما لا حظتُ إدارة "الأهرام" الجديدة على استعادة مكانة الجريدة، وقد دعونى للمشاركة فعدتُ إلى كتابة هذه المقالات التى ستُنشر هنا كل أربعاء. ومع أن الأمر دوريٌّ، يعود إلى ما منه بدأ! إلا أننى لن أعود للكلام مجدَّداً عن مأساة مكتبة الإسكندرية، ولن أُشير إلى خطورة ما يسعى إليه بعض المنحرفين وبعض الغافلين وبعض المتخابثين الساعين إلى إعادة مصر إلى أحوالها السابقة: استحكام الفساد السياسي، إحكام القبضة الضابطة على مجتمعنا لمصلحة فئة مخصوصة، خلخلة أنحاء البلاد لإيجاد مساحاتٍ تسمح بعيش المعتوهين الذين يظنون أن المستقبل هو الماضي. نعم، الأمرُ دوري، لكننا سندور مع الزمان حيث دار، ونكتب، لأن الذى يكتب يكسر الدائرة، ولا يموت!
وإلى لقاءٍ يتجدَّد، يوم الأربعاء المقبل.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق