الأربعاء، 14 مايو 2014

مفاهيم صوفية: التفويض


المصدر: الأهرام المسائى

إذا تأملنا محنة الانسان وشقاءه فى هذا العالم، لاتضح لنا ان سر شقاء الانسان فى رغبته الدائمة لتحصيل ما ليس بيده فهذه الرغبة تلازم الانسان من بدء إدراكه الى نهابة حياته فلا يلبث اذا وصل لإحدى امانيه، ان تنبثق امنية اخرى تحدو به الى تعلق جديد بامر ربما يصل اليه وربما يشقى بعجزه عن تحصيله.
ولما كان الصوفية هم اطباء القلب، فقد انشغلوا ببحث هذه المحنة، ووضعوا للداء دواء من مكامن حكمتهم. فما كان الدواء غير كلمة قليلة الحروف كثيرة الدلالات، هى: التفويض.
ولا يمكن الولوج الى افاق (التفويض) قبل المرور بارض التوكل والتسليم فهما مقدمة التفويض التى لابد منها.
لم يبتدع الصوفية مفهوم التوكل، وإنما استهدوا فى تحديده بجملة الآيات القرآنية الواردة فى فضل التوكل وشان المتوكلين وقد اعتنوا بالتفرقة الدقيقة بين التوكل والتواكل فالتوكل حال قلبى لأولئك الواثقين المستوثقين من رحمة الله وحكمته بينما التواكل صفة نفسية لأولئك المغتربين الجاهلين بأمر الله. الذين لا يعملون ويظنون ان لهم اجر العاملين.
إن التوكل فى مفهومه الصوفى العميق لا يعنى (العمل) فحسب وإنما يقرن بت العمل يقين العامل وثقته فى مولاه. فالمتوكل يودى ما عليه، ويترك اجر العمل لامر الله. فإن تأخر ثوابه فى الدنيا، فهو لامحالة سياتيه فى الاخرة. ولثواب الآخرة ابقى وأحلى! وللمعترض علي ذلك بدعوى (التخطيط للمستقبل) نقول: ذلك لا يقدح فى حق المتوكل مادام متوكلا فى تخطيطة لهذا المستقبل الذى لا يملك الانسان المتوكل التنبؤ به الا الظن والاحتمال. فإذا تعمقنا بالروية اكثر وجدنا الا خلاص فى عمل الحاضر هو التخطيط اي فضل للمستقبل.
وإذا كان اهل التوكل يسكنون الى وعد الله، فإن اهل التسليم يتركون لله الأمر من قبل ومن بعد بالجوارح تعمل بما امر به الله والقلوب تستغرق فى ملاحظة امر الله، ومع ذلك فأهل التسليم فى المرتبة الوسطى إذ تظل قلوبهم فى انتظار الخير والثواب من الحق تعالى فربما شغلهم انتظارهم وحط حالهم من بلوغ الدرجة العليا ودرجة التفويض.
يختلف التفويض عن التسليم فى امر دقيق يسير فبرغم انها من احوال اهل اليقين، وأنهما يتجاوزان حال المتوكلين، إلا ان التسليم قد يداخله عدم الرضا وانتظار الخير. بينما التفويض هو الرضا الكامل فى الخير والشر، فى الهناء والابتلاء.
وحين يترقي الانسان لمرتبة التفويض يطرح قلبه كل هموم الترقب والانتظار، فالظاهر من العبد : يتحرك بأمر الله، والباطن منه: سكان الى قضاء مولاه. فهم وقد فوضوا الامر كله لصاحب الامر، ما عادوا يتوقعون اجرا ويطلبون ثوابا. فهم على يقين من انهم هم وأفعالهم، محل تحقق الارادة الإلهية فى الكون، فليست افعالهم الخيرة منسوبة اليهم على الحقيقة وإنما هي اثار من عناية الله بهم.
بهذا لا يرى اهل التفويض لأنفسهم فضلا اذا احسنوا وإنما الفضل لله.
وهكذا يسكنون تحت ظلال الرضا. ومن هتا يمكن ان نتفهم تلك المواقف الرائعة لأهل اليقين حين ترى منهم من هو فى النعمة وقلبه غير مكترث لها، ونرى من تتوالى عليه الابتلاءات وقلبه سمن تحتها. 
فكلاهما قد فوض الامر ورض بالقضاء. ايا ما كان القضاء.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق