الصفحات

الأربعاء، 14 مايو 2014

مفاهيم إسلامية: الصدق


المصدر: الأهرام المسائى

الصدق فى مفهومه الاسلامي، دعامة أساسية ينصلح بها حال الفرد والجماعة، وتصح بها أمور الدين والدنيا. فالصدق هو الأمر الذى ما ارتبط بشىء الا صانه وزانه، ورفع من قدره. وهو الذى ما خلا منه شىء إلا ضاع وماع وراحت قيمته. وعلى طريق تحديد مفهوم الصدق وآفاقه فى الإسلام، تدور السطور التالية فى محاولة للبحث عن قيمة غائبة.
تعفو مرتبة الصدق فتاتي فى كتاب الله بعد مرتبة النبوة مباشرة، وتأتي بعدها مراتب الشهداء والصالحين. يقول تعالى فى سورة النساء ". فأولئك مع الذين انعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين" وقد هيا الحق تعالى نبيه- صلى الله عليه وسلم- للرسالة بالصدق، فكان قبل بعثته الصادق الأمين.
وهناك مراتب لأهل الصدق، تتفاضل بحسب عمق هذا المفهوم، فيهم، فنجد الصادق والصدوق والصديق. وهي مراتب تتحدد وفق قرب المسلم من ميدان الصدق. وان شئت الدقة قلت: من ميادين الصدق للصدق ميادين ذات أفاق واسعة.
وأول ميدان للصدق هو، ميدان القول، وهو ما يمكن ان نسميه صدق اللسان ويتحقق ذلك حين ينأى بنفسه عن آفة الكذب، فليس فى الشواهد على جبن الإنسان وسقوط إنسانيته، أدل من الكذب وليس فى الدلائل على احترام الإنسان لنفسه اكثر من قول الصدق. وإذا نظرنا بدقة هذه القضية الخاصة بالصدق والكذب، وجدنا الكاذب لا يخرج عن حالين، فهو إما مهين لنفسه حين يكذب عليها، او مهين لغيره حين يكذب عليهم. وهو فى الحالين مهين لنفسه ولغيره! فالكذب كله مهانة. وعلى الجهة الأخرى نجد الصادق يتضرر أحيانا بصدقه، وربما يضر الآخرين حين يخطئون، لكن ضرر الصدق لا يعدو ان يكون ضررا وقتيا سرعان ما يعقبه الخير الدائم والصلاح للفرد والجماعة، إذ لا يفيد تجنب الحق والمراوغة فيه إلا ازديادا فى البدل والولوج فيه. وذلك ما يتضح بالنظر فى مجمل الأمور وغاياتها.
وصدق القول يفضى الى صدق الرأى وصوابه، ولا يوقع بالمرء فى شراك الكذب ومتاهاته. ولقد تعهد الله من صدقوا، فأيدهم بالقول الصادق فى الحياة الدنيا وفى الاخرة.
والصدق فى العمل يعنى، ان يكون العمل خالصا لله لا لغيره، والعملى هنا لا يقتصر على القيام بفروض العبادات ونوافلها، وإنما ينطبق أيضا على النشاط الانسانى فى الدنيا ومقتضياتها. ويكون هذا، العمل، صادقا، حين يكون نظر العامل معلقا بإرادة الله. فقد أراد الله من العامل ان يتقن عمله، فالإتقان هنا هو الصدق فى العمل؟ صدق العابد فى عبادته، وصدق الصانع فى صناعته.
وبينما يحض "صدق القول" الإنسان من التردى فى الكذب والخداع، يحفظه "صدق العمل" من الغش والريا?ء ولكم تفشت هذه الآفات حتى لحق المسلمون اليوم بأخر ركب الحضارة، وباتوا يتبدون علي أيام حضارة الاسلام وامتلاك المسلمين لأطراف العالم فى فترة وجيزة من الزمان! فهل نسى المسلم المعاصر أن ذلك "كان" لأن سلفه المسلم كان صادقا مع ربه فى العبادة وصادقا مع اهله فى المعاملة. كان المسلمون الذين ملكوا ناصية العالم فى وقتهم، صادقين فى إسلامهم، يتقنون صنع السيف والرغيف، ويتقنون طب الجنة؟ الحرب وفى السلام.
ولصدق العمل جانبان، الأول يشترك فيه كل المسلمين، وهو العمل التعبدى كالصلاة والصوم. والجانب الأخر يختص فيه كل إنسان بحكم حاله، فهناك صدق طالب العلم فى تحصيل تدريسه، واستقصاء المعلومات، وهناك صدق المعلم فى تدريسه وإخلاصه فى افادة الطلاب، وهناك صدق الكاتب فى تحرره من نزعات الهوى الشخصى، وصدق من يتولى امور الناس فى تحقيق صالح من ولاه الله عليهم.
والى جانب صدق القول، والعمل هناك صدق القلب. وهنا يكمن اعمق مفاهيم الصدق.
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق